أولاً: المتسولون الذين يطرقون
الأبواب، ويمرون في الشوارع، ويقفون أمام المصلين يكثر فيهم الكذب، وقد
كشفنا وكشف غيرنا الكثير من ذلك، سواء كانوا يطلبون العطاء لأنفسهم، أو
لأولادهم، أو لديات، أو كانوا ربما أحياناً قد يطلب الواحد منهم لمشروع،
وبعد التحقق يبدو أن هناك خطأً، أو مبالغةً في الأمر، وقد يكون الموضوع
مزوراً في بعض الأحيان، حتى بعض الأوراق والوثائق قد تكون مزورة أو قديمة،
أو قد يكون كتب لهم رجل أحسن بهم الظن، وحملهم على ظاهرهم.
إنه ينبغي لنا ألاَّ نعطي إلا بعد التثبت من حال
الإنسان، ولو كان في بلد ناءٍ، خاصةً إذا كان يجمع لمشروع خيري -مدرسة، أو
مركز، أو مسجد، أو ما شابه ذلك- حتى لو كان هذا المشروع في الصين، أو في
الهند، أو في أفريقيا.
إن من السهل أن تُجمع عشرة مشاريع، ثم يسافر شاب إلى
الهند، أو إلى الصين، أو إلى أفريقيا بتذكرة لا تكلف أكثر من ستة آلاف
ريال، ويتأكد من هذه المشاريع بنفسه، ثم يرجع بخبر جهينة الخبر اليقين.
وقد يجمع في المساجد، أو في غير المساجد مبالغ طائلة قد
قبض على بعض هؤلاء، ووجد معه مائة ألف ريال جمعها خلال أقل من أسبوع،
وتبين أن مدعاه ليس بصحيح، ثم إن هذا لا يعني إهمال المشاريع الإسلامية
بحجة عدم التثبت، فإن كلا طرفي قصد الأمور ذميم، فبعض الناس لا يُعطي بحجة
الشك، وبعض الناس يُعطي بلا تثبت! لا، ولكن حينما تريد العطاء، فأعطه من
تثق بهم أنهم يتثبتون ويطمئنون ويكونون وسطاء مأمونين يستطيعون أن يوصلوا
هذه الأموال إلى مستحقيها.
ثانياً: أصحاب العاهات، وبعض النساء، وبعض العاطلين
مهمتهم الطواف والسؤال، ولا مانع أن تعطي هذا الإنسان مبلغاً يسيراً
مجاملةً من مالك الخاص، أما أن تعطيه من حق الفقراء، ومن مال الله عز وجل،
فلا وألف لا، لا تعطه من الزكاة، وأنت يغلب على ظنك أنه غير محتاج، وأنه
يجمع أموالاً طائلة، وربما ملك ما لا تملكه أنت نفسك.
ثالثاً: العوائد المألوفة، أنت معتاد أن تعطي بعض
الجيران، وبعض الأقارب، وبعض المعارف كل سنة من الزكاة، وهم قد تغيَّرت
أحوالهم، وسددت ديونهم، واستغنوا بغنى الله عز وجل، وتحسنت أوضاعهم، وتوظف
أولادهم، فلا داعي لاستمرار هذا العطاء، بل يجب أن تقطعه إذا علمت أنهم
استغنوا عنه، ولا يجوز لك أن تعطيهم مجاملة، وأنت تعلم أنهم غير محتاجين.
وفي موضوع الصدقة أود أن أشير إلى مصارف مهمة: المصرف
الأول: مصرف المجاهدين في سبيل الله قال الله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ
قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّه}
[التوبة:60] فالمجاهدون في سبيل الله هم أحد الأصناف الثمانية الذين تدفع
لهم الزكاة، وقد بينت لكم أن في بلاد الأفغان وفلسطين وإريتريا والفلبين
مسلمين ومجاهدين ومرابطين على الثغور، وإذا كنا لم نجاهد معهم، ولم نحمل
السلاح معهم، ولم نخلفهم في أولادهم وأزواجهم بخير، فلا أقل من أن نعينهم
بما تجود به أيدينا من المال، وهذه أعظم مصارف الزكاة في هذا العصر خاصة،
ولذلك ينبغي دعم هؤلاء الإخوة المجاهدين، وبالأسباب والوسائل التي من
الممكن أن تصل من خلالها الأموال إليهم بيسر وسهولة.
ومن المصارف التي أود أن أشير إليها: الفقراء
والمحتاجين من الشباب وطلاب العلم، فإنني أعلم كثيراً من طلاب العلم -وقد
يكون بعضهم من بينكم، من بين المستمعين- من هم بحاجة إلى مساعدة إخوانهم،
من لعوز، أو فقر أو حاجة أو إعسار، أو لأنهم يريدون أن يتزوجوا ولا يجدون
ما يكمل لهم مهر الزواج وموؤنته، وفي ذلك إعفاف لهم وتحصين لفروجهم وإكمال
لنصف دينهم، وفيه من المصالح مالا يخفى، كما أنه يعين على طلب العلم
وتحصيله.
وأود أن أشير إلى أن من الجهات التي تتقبل الصدقات
والنفقات هي: الجمعيات الخيرية، فإذا وجدت جمعيات خيرية موثوقة، فلا بأس أن
يعطيها الإنسان، لأن هذه الجمعيات تتحرى، وعندها ملفات خاصة بالأسر
المحتاجة، وتعطيهم رواتب شهرية وتنفق عليهم، وفي هذا البلد أعلم أن
القائمين على جمعية البر الخيرية من الناس الموثوقين المعروفين بالخير
والاستقامة، والحرص على تحري وضع المال في موضعه الصحيح الشرعي، فينبغي
للإنسان الذي يجد المال وربما لا يعرف مصارفه الصحيحة، أن يوكلهم في صرف
هذا المال إلى مستحقيه.
بناء المساجد
حادي عشر: المساجد: {ومن بنى لله مسجداً ولو كمفحص
قطاةٍ، بنى الله له بيتاً في الجنة} فالمساجد في المناطق التي يحتاج إليها
سواء في هذا البلد، أو في أي بلد إسلامي لا تقل أهمية المسجد عن غيره، لكن
يجب أن تعرف ماذا سيكون مصير المسجد بعد البناء، وأن تعتدل في نفقته.
صناديق الأسر
ثاني عشر: صناديق الأسر: وهي مهمة جداً للتكافل
الاجتماعي، والترابط الأسري، فإن بعض الأسر خاصة الأسر الكبيرة تجعل لها
صندوقاً واشتراكاً شهرياً من جميع أفراد هذه الأسرة، ثم يكون هناك مجلس خاص
يدير هذا الصندوق ويستثمره، فيعطي المحتاجين، والشباب الراغبين في الزواج،
والفقراء، والأيتام، والأرامل، وأمثالهم، ومثل هذه الصناديق ظاهرة موجودة
في هذه المنطقة بحمد الله عز وجل، وفي مناطق أخرى كثيرة، وينبغي السعي إلى
تعميمها ونشرها، فإن فيها فوائد: فوائد دينية، وفوائد ترابط الأسرة، والغنى
وعدم الحاجة، إضافة إلى مصالح أخرى كثيرة.
إعانة من أراد الزواج
رابعاً: من طرق الإنفاق، الشباب الراغبون في الزواج،
فإنهم يحتاجون إلى إعفاف فروجهم، وغض أبصارهم، وبناء الأسرة السليمة التي
تعبد الله تعالى وتوحده، وحبذا أن يكون ذلك بالقرض الحسن لتربيتهم على
الاستغناء عن الناس، وعلى البحث عن الرزق الحلال، وعلى الاعتماد على الله
عز وجل، ثم على أنفسهم، وفي ذلك فائدة تربوية عظيمة.
المشاريع الاستثمارية الخيرية
خامساً: المشاريع الاستثمارية الخيرية، وهي مهمة جداً،
ومثلها الأوقاف التي توقف لصالح أعمال الخير من الأحياء، أو من الأموات،
والتعجيل بها في حال الحياة أحسن وأفضل منها بعد الموت.
إن الكثيرين يوصون بالثلث بعد الموت، وهذا في الأصل
إنما هو صدقة من الله عز وجل، وإلا فالإنسان بعد موته يكون ماله لورثته،
لكنك تدري أن كثيراً من الأموات ضاعت أوقافهم ووصاياهم واختلف فيها
الأولاد، وتركوها، ولم تجد من يقوم بها، أو استلمتها بعض الجهات الرسمية،
ولم يكن فيها كبير نفع.
لكن لو أنك أوقفت شيئاً في حال حياتك على أعمال الخير
والدعوة، وجعلته استثماراً يدر ويفيد سواء أكان أرضاً، أو عمارةً، أو
محطةً، أو مشروعاً تجارياً، أو ما أشبه ذلك وكتبته لأعمال الخير، فإنك تقوم
به في حال حياتك، ويكون بعد وفاتك معروفاً محدداً لا يختلف عليه أحد، وهذا
عمل عظيم، لأنه يترتب عليه وجود أعمال استثمارية ثابتة ريعها معروف،
ودخلها ثابت يصرف منه في أعمال البر.
التعليم
سادساً: التعليم: كبناء المدارس، والمعاهد، وإرسال
المعلمين، وكفالتهم، وطباعة الكتب، وبناء الأربطة والمساكن للطلاب
وللمدرسين وغيرهم، وإعداد خلوات تحفيظ القرآن الكريم، ويوجد ذلك في مناطق
أفريقيا لذلك سواء في السودان، أو في الصومال، أو في غيرها من المناطق
الإفريقية.
ومن ذلك أيضاً تفريغ بعض النابغين من الطلبة، وإعدادهم
إعداداً جيداً بصورة صحيحة ليتفرغ لطلب العلم بعيداً عن الاشتغال بالرزق
والبحث عنه؛ ليتفرغوا لهذا العمل الجليل.
الجمعيات الخيرية
سابعاً: الجمعيات الخيرية سواء كانت جمعيات خيرية تخدم
البلد، أو المنطقة، أو كانت جمعيات إسلامية عالمية تعمل على خدمة المسلمين
في كل مكان، ويجب أن يتولى إدارة هذه الجمعيات كلها -بنوعيها- الأمناء
الأخيار: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}
[القصص:26] وحبذا أن يكون لكل داعية، أو مهتم، أو غني، أو عالم أن يكون له
جمعية، بل أن يكون له شبكة من الجمعيات عبر العالم، لئلا تكون أعماله
وبضاعته هي الكلام فحسب.
فعليه أن يكون عنده نشاط للأيتام والأرامل، وآخر
للتعليم -تعلم الدين- وثالث مركز للدعوة، ورابع مكتب للإعلام وهكذا يستثمر
هذا العالم، أو الداعية، أو المهتم، يستثمر فرصته وعلاقاته في دعم هذه
الجمعيات والإشراف عليها، ومن الضروري أن يكون هناك تنسيق بين هذه الجمعيات
وتعاون على البر والتقوى، وعدم تضارب في الجهود، كما يجب عدم التسرع في
إطلاق التهم على الآخرين بدون بينة، أو روية، أو تثبت أن أموالهم لا تثبت،
أو أنها تضيع سدى.
المبرات الخيرية
ثامناً: المبرات الخيرية للأسر المحتاجة داخل المدن، أو
القرى، أو المناطق النائية، بحيث توفر هذه المبرات الأموال، فتنفق على
الأسر في السكن، وفي الطعام، وفي الشراب، وفي اللباس، وفي الغذاء، وفيما
يحتاجون إليه، وينبغي أن يقوم على هذه المبرات العلماء وطلبة العلم، بحيث
تكون مأمونة، ولا تكون فرصة لضعاف النفوس الذين يصطادون في الماء العكر،
ويثرون على حساب الأيتام والأرامل والفقراء.
المستودعات الخيرية
تاسعاً: المستودعات الخيرية: كالمستودع الخيري الموجود،
الذي يقوم عليه الشيخ صالح الهنيان جزاه الله خيراً، والتي تستقبل الأواني
المنزلية والأثاث والطعام والأدوات الكهربائية وغيرها، وتصلح ما فسد منها،
وتقوم عليها، ثم تعطيها المحتاجين.
الفقراء والمساكين
عاشراً: الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام
أينما كانوا، فإن لهم حقاً في أموال الأغنياء، قال الله تعالى:
{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ
وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25] وقال: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:19] .
أيها الأحبة: تردني أسئلة كثيرة من الناس رجالاً
ونساءً: فلان حاله كذا، فهل نعطيه؟ وفلانة حالها كذا، هل نعطيها؟ ويتبين لي
من تلك الأسئلة أن معظم الناس يعطون زكواتهم وصدقاتهم لأقوام ربما لا
يستحقونها، أو هم في غنىً عنها، وأقل ما نقول: إن هناك من هو أحوج إليها
منهم.
الدعوة إلى الله
ثانياً: الدعوة إلى الله تعالى، وذلك بإقامة المراكز الإسلامية، أو طباعة الكتب، أو توزيع الأشرطة، أو كفالة الدعاة.
إن كفالة داعيةٍ واحدٍ في الاتحاد السوفيتي لا يكلف
شهرياً، أكثر من مائة ريال، إذاً تستطيع أن تكفل داعية سنة كاملة بألف
ومائتي ريال فقط.
إننا بذلك نستطيع أن نوفر آلاف الدعاة، ولا يكلفنا ذلك
شيئاً كثيراً، وإنني أعجب أيها الإخوة، وحق لي أن أعجب أن يأتي تاجر محسن
متصدق فيبني مسجداً، ويجعله فخماً ضخماً واسعاً مرتفع البناء ربما كلفه
ثلاثة ملايين دولار مثلاً في البناء، ثم لا يوجد من يصلي في هذا المسجد،
ولا من يؤم، ولا من يخطب، ولا من يعلم، وبناء المسجد شيء حسن، وسوف أذكره
بعد قليل، ولكن لو كان هذا المال صرف كله، أو جله، أو بعضه لكفالة دعاة
يقومون بتوعية الناس، وتصحيح عقائدهم، وإعادتهم إلى دينهم، وتعليمهم أحكام
شريعة ربهم، لكان ذلك خيراً وأقوم.
إن طباعة خمسين ألف نسخة من كتاب لا تكلف أكثر من عشرين ألف ريال، يستطيع خمسة أن يقوموا بمثل هذا العمل الجليل اليسير في نفس الوقت.
الشعوب المنكوبة
ثالثاً: الشعوب المنكوبة في العراق شعب يحاصر منذ أكثر
من ثلاث سنوات لا يصل إليه من الطعام والشراب واللباس والكساء إلا أقل
القليل، وأحلف بالله الذي لا يحلف إلا به لو كان شعب العراق نصرانياً،
لتنادت أمم النصارى كلها لفك الحصار عنه، ولكن لأنه شعب في غالبيته أبيٌ
مسلمٌ، فإن أمم الغرب كلها تتحالف على الحصار عليه، والنبي صلى الله عليه
وسلم يقول كما في الصحيح: {دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها
إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض} .
فكيف بإنسان؟! فكيف بمسلم؟! فكيف بشعب مسلم بأكمله
يُحاصر حتى من قبل دول عربية إسلامية؟! إن هذه الصحيفة التي أدارتها الأمم
المتحدة لحصار المسلمين في العراق هي صحيفة آثمة ظالمة، وواجب على المسلمين
أن ينكروها ويرفضوها، وأن يتنادوا لنصرة إخوانهم ودعمهم بالمال والطعام
والشراب والغذاء والكساء والدواء، وبالدعوة إلى الله تعالى، فإن إيصال
الكتب ممكن، وإيصال الأشرطة وارد.
بل إنني أقول لكم من معلومات مؤكدة -أيها الإخوة- إن
عدداً من شباب الشيعة تحولوا إلى طريقة أهل السنة والجماعة وعلى الطريقة
السلفية السليمة في مناطق الأهوار وفي غيرها، داخل العراق، بل وداخل إيران
بواسطة جهود المخلصين والدعاة والكتب والأشرطة.
فعلينا أن نكون عوناً للمسلمين وللدعوة في كل مكان.
وفي مصر شعب بأكمله يُجّوَّع وذلك من أجل أن ينشغل
بالبحث عن لقمة العيش، ويضيق عليه، ويُودع شبابه في غياهب السجون،
فالمساجين يعدون بالآلاف، والقتلى يعدون بالمئات، ومع ذلك حصلت نكبات
وزلازل وأزمات، فتجد أن هناك تبرعات كثيرة لا يصل الناس منها إلا أقل
القليل، بل إن الجماعات الإسلامية التي كانت تدعم المسلمين في مصر قد
حوربت، والذي ثبت عليه أنه يدعم ويوصل بعض الأموال قد سجن، وقد سجن أكثر من
أربعين طبيباً، لأنهم ساعدوا المسلمين هناك.
ولذلك أقول للإخوة: ادعموا إخوانكم المسلمين في كل
مكان، ادعموا إخوانكم المسلمين في مصر، لكن حذار أن يكون الدعم عن الطرق
الرسمية التي تصل إلى الحكومات، فإن الحكومات قد تتقوى بها على ضرب
الإسلام، وعلى حصار المسلمين، وعلى قتل الأبرياء، وعلى إشاعة الفاحشة في
الذين آمنوا، ولولا الحياء لذكرت لكم نماذج أحلف بالله لا تصدقون أنها تقع،
لولا أنني قرأتها في صحف موثوقة مصرية مضبوطة عندي تدل على أن هناك خططاً
مبيتةً لإشاعة الجريمة في الذين آمنوا، وقطع دابر العفاف في أوساط تلك
الشعوب المؤمنة الأبية في مصر وفي غيرها.
فعلينا أن ندعم المسلمين، ولكن بواسطة الطرق الخاصة
التي تصل إليهم، ولهذا أقول للموظفين: إذا جاءك طلب المساعدة، فإياك إياك
أن تبذل شيئاً تعين به على قتل مسلم، أو على التضييق عليه، أو على الترويج
للسياحة، أو على إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، وإذا كنت تريد الدعم، فأنت
تعرف سبله وطرقه وأبوابه التي تطمئن إلى أنها تصل إلى المحتاجين.
وفي أفغانستان دولةٌ بأكملها عانت أربع عشرة سنة من
ويلات الحرب، وهي الآن تعاني أيضاً من بقايا آثار الخلاف بين أصناف وطبقات
المجاهدين، فهي محتاجةٌ إلى دعم الإخوة المؤمنين سواء عن طريق التعليم، أو
عن طريق نشر الكتب، أو نشر الدعوة، أو عن طريق المساعدة، أو عن طريق مساعدة
اللاجئين والمهاجرين، أو غير ذلك من الوسائل.
وفي الجزائر أيضاً شعبٌ يموت جوعاً، خمسة عشر شخصاً
يعيشون في غرفة واحدة، لا يجدون مأوى إلا غرفة واحدة حتى إنهم الآن بدءوا
يسلكون أسلوب النوم بالتناوب إذ لا تتسع لهم، فينام خمسة الآن على حين يذهب
الباقون يبحثون عن أي عمل آخر، ثم تأتي نوبة الآخرين ليقوم هؤلاء وينام
الآخرون بدلاً عنهم.
وفي طاجاكستان الأمر كما ذكرت، وفي البوسنة الأمر
معروف، ودولة البوسنة والهرسك فيها مدن ومناطق محاصرة منذ ما يزيد على سنة،
سراييفو، سربنيتشا، قورازدا، وغيرها مدن محاصرة على مدى أكثر من سنة لا
يكاد يصل إليها إلا أقل القليل، فعلينا أن نهب لنصرتهم.
وفي فلسطين شعب يجوع ويضيق عليه، ويمنع حتى من الأعمال
التي يمارسها -وهي أعمال متواضعة- بين اليهود في داخل ما يسمى بدولة
إسرائيل، فيحال بينه وبين العمل، ويبن رغيف الخبز، وبين العيشة التي يقوم
بها أوده، فضلاً عن الذين أبعدوا من ديارهم بغير حقٍ إلا أن يقولوا: ربنا
الله، فهم بأمس الحاجة إلى دعمكم وعونكم وتأييدكم، فأين أنتم من هذه الشعوب
المنكوبة؟ إنني أعجب من أخ يقارن مصيبة فرد مهما عظمت وجلت بمصيبة شعب
بأكمله يعاني مثل هذه الآلام.
أيها الإخوة: إنني أُحذركم مرة أخرى من الطرق الرسمية
التي تتولاها حكومات تلك الدول، فإنه لا ينفعنا أن نكتشف بعد عشرة سنوات،
أو عشرين سنة أن هؤلاء كانوا خونة، وأنهم يحاكمون كما وقع في الجزائر حيث
حُوُكِمَ بعض رءوس الفساد، واتهموا وثبت أنهم كانوا يسرقون الأموال، فماذا
ينفعنا أن نكتشف ذلك بعدما ضاعت أموالنا؟
الجهاد في سبيل الله
أولها: الجهاد في سبيل الله، ومساعدة المجاهدين بالمال
والسلاح وغير ذلك من الوسائل في كل مكان، وراية الجهاد اليوم مرفوعة في
بلاد عديدة، ففي البوسنة مؤمنون يقاتلون عن دينهم وعن أرضهم وأعراضهم، وفي
طاجاكستان أعداد من المؤمنين المجاهدين في الشعاب.
وقد رأينا البارحة مندوباً منهم موثوقاً -إن شاء الله
تعالى- يمثل الحزب الإسلامي الوحيد هناك، حزب النهضة، فيقول: عدد المجاهدين
أكثر من مائة ألف مجاهد متحصنين في الجبال، وقد استطاعوا أن يردوا نصف تلك
الدولة التي سقطت في أيدي الشيوعيين، بلد قتل فيها أكثر من مائتي ألف مسلم
خلال ثلاثة أشهر، وفقد منها مائة ألف مسلم أيضاً، وشرِّد أكثر من مليوني
مسلم حيث ذهب أكثرهم إلى الدول المجاورة ومنها أفغانستان المنهمكة
والمنشغلة بهمومها الخاصة.
شعب يقتل لماذا؟ لأنه أقرب الشعوب لآسيا الوسطى وإلى
الإسلام، وأكثرها تديناً وصلاحاً، فلذلك رفعوا راية الجهاد، وهم أحوج ما
يكونون إلى المال.
وهناك في إرتيريا مؤمنون مجاهدون على الطريق الصحيح،
ويحتاجون إلى الدعم بالمال، وهناك في الفلبين مسلمون يُقتلون، وقد هدمت قرى
بأكملها، وقد اعتدى الجنود الحكوميون على أعراض المسلمات، فأصبحت المسلمات
نهباً مباحاً، ففي الهند اعتدوا على المسلمات بالاغتصاب، وفي الفلبين، وفي
البوسنة، وفي كشمير، والله تعالى وحده هو المستعان.
وأقول: أيضاً في الجزائر عشرات الآلاف من الشباب الذين
يدافعون عن دينهم، وعن أعراضهم، وعن تحكيم شريعة الله عز وجل، ويقاتلون
أولياء العلمانية، وأولياء الاشتراكية، وأولياء الغرب، والجميع محتاجون إلى
دعم إخوانهم المسلمين، ليس فقط لدعم الجهاد بنفسه، بل لحماية ظهور
المجاهدين، ورعاية أسرهم، فإن أهل الفساد والريب يقولون: لا تنفقوا على
هؤلاء، ويحاصرونهم، ويتابعون كل من يدخل إلى بيوتهم، أو يوصل إليهم خيراً،
يريدونهم أن يموتوا فقراً وجوعاً وعرياً، وأن يحنوا رءوسهم بسبب الحاجة
والفقر، فلابد من خلافتهم في أهلهم وأطفالهم وأولادهم بخير.
إنني أعجب -أيها الإخوة- حين نسمع عن الشباب المجاهد في
أفغانستان، وما يعانيه في بيشاور وغيرها، أولاً من الحصار الدولي التي
تحكمه حامية راية الصليب أمريكا نسأل الله تعالى أن يُعجل بسقوطها وهلاكها
وتمزقها.
فهي تتصل الآن بقوة بالباكستان وتضغط عليها وتتحالف في
ذلك مع مصر، فهناك ثلاثي -أمريكا ومصر وباكستان- للتضييق على المجاهدين في
بيشاور، والقبض على المجاهدين.
وقد قبض هناك على عشرات من الشباب، وأودعوا السجون،
وهناك تخطيط للقبض على البقية الباقية، وإرسالهم إلى دولهم لتتولى محاكمتهم
وسجنهم وتعذيبهم.
فماذا كانت ذنوبهم؟ لقد كانوا بالأمس يُودَّعون من قبل
دولهم بالحفاوة والتكريم، بل ويعطون تذاكر مخفضة، أما اليوم، فهم يؤتى بهم
يقادون مكبلين بالأغلال والقيود ويودعون في السجون، ويعتبرون إرهابيين
ومتطرفين، لقد كانت المهمة أن يقاتلوا الروس يوم كان الاتحاد السوفيتي
عدواً لأمريكا، فكانت بعض الدول العربية تتعامل معهم على هذا الأساس.
أما اليوم وقد سقط الاتحاد السوفيتي، فقد أصبح هؤلاء هم
الخطر، وبدأت الدول تتآمر ضدهم، ثم إنهم يعانون حالاً من الجوع والفقر،
وقلة ذات اليد، ويحتاجون إلى دعم إخوانهم المسلمين.
إن الأمة التي تريد أن تكون مجاهدة حقاً عليها أن تحفظ للمجاهدين سابقتهم وفضلهم، وأن تقوم بحقهم عليها.
نعم! إن المال لو وُفِّر لانتصر الجهاد في أكثر من موطن.