صدقة لها مفهومان: مفهوم عام
واسع شامل لكل خير: (تعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها
متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة) ، فهذا من
مفهوم الصدقة العامة الشاملة، وللصدقة نوع آخر أخص من سابقه، وهي الصدقة
الجارية، التي لها أجر بالغ في إزالة الشح والبخل عن الإنسان، وهذا الأثر
التربوي هو الذي نحتاج إليه؛ فإن كثيراً من الناس لا يشعر بأنه بخيل، بل
يظن نفسه كريماً، لكنه إذا راجع نفسه لن يذكره الشيطان بما أنفق من ماله
إلا ما كان في سبيل الله ليستكثره، ومن هنا لا يستشعر أنه بخيل في التعامل
مع ربه الكريم الذي أنعم عليه بأنواع النعم، ولطف به بأنواع الألطاف، والله
سبحانه وتعالى يقول في كتابه: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9] .
والصدقة إذا أطلقت في الكتاب والسنة فيقصد بها الزكاة
المفروضة والنافلة، فقوله صلى الله عليه وسلم: {فأخبرهم أن الله افترض
عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم} وقوله تعالى: {إِنَّمَا
الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة:60] يعني: الزكاة، فهي تشمل هذا وهذا
والحمد لله.
وأصل الصدقة مأخوذة من الصدق، ولهذا يلزم المتصدق أن
يكون صادقاً، فإن كان كذلك فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن
الله يقبل الصدقة بيمينه، ثم يربيها للعبد كما يربي أحدكم فلوه) ، والفلو:
هو المهر، فكما أنك تربي فرسك فيكبر على عينك -ولله المثل الأعلى- فإن الله
عز وجل يأخذ الصدقة بيمينه فيربيها للعبد حتى تصير كأمثال الجبال! وهناك
كثير من العباد يفاجئون بمثل هذه الحسنات التي ما كانوا يتوقعونها، يتصدق
بصدقة وهو مخلص فيها ثم نسيها، فيفاجأ هذا الرجل بجبال من الحسنات من أين
هذه الجبال؟! إنها من الصدقة التي وضعها يوماً ما في يد مسكينٍ أو فقيرٍ أو
معول ونسيها: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلَّا فِي
كِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل:75] ، في كتابٍ عند الله تبارك وتعالى.