كذلك فإن من أوجه العبودية في
رمضان: الصدقة، فإذا كان رسولك صلى الله عليه وسلم قد قال: (يا معشر
النساء، تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار) فإذا كان الأمر بالصدقة عاماً،
فالأمر به أو فعله في رمضان آكد وأقوم وأكثر أجراً، ولا شك في مضاعفة الأجر
في مواسم الطاعة العظيمة كشهر رمضان، فإن الحسنة تتضاعف في المكان الفاضل،
والزمان الفاضل.
فأقول إذاً: تحركي بما تستطيعين أو تجودين به من
الصدقات في أنواع البر المختلفة، والذي حصل من النساء -ولله الحمد- الآن
تفتح كبيرٌ لها، وإسهامات عظيمة في التجميع والإيصال والحمد لله، وأنبه في
هذه المناسبة إلى أن على النساء تمحيص جمعيات البر؛ لأن بعضها جمعيات سوء،
وبعضها جمعيات صلاح وتقوى بعضها أسس على تقوى من الله ورضوان، وبعضها أسس
على شفا جرف هار، فعليك بتمييز الجمعيات الطيبة وإشهارها والإعلان عنها،
والنصيحة بالتبرع لها، والمساعدة فيها، والتحذير من الجمعيات السيئة، وعدم
إعانتهم بشيء إذا كانوا يريدون قصداً سيئاً، أو يخفون أهدافاً سيئة، واحذري
من القيل والقال وعليك من التأكد والتثبت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً
بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] .
أيتها الأخت المسلمة! إن زكاة مالك مهم، فإن الناس
كثيراً لا يعتادون إخراج الزكاة في رمضان، فعليك بإخراج الأموال الزائدة
عندك، وإذا كانت لديك أراضٍ معدة للبيع فأخرجي زكاتها، وإذا كان لك تجارة
أو حصة في دكان أو عروض تجارة، فتقوم عروض التجارة عند حلول الحول، ويخرج
(2.
5%) من قيمتها الحالية في السوق، وما لديك من الحلي
الملبوس والمدخر والمعار وغيره، فأخرجي زكاته على القول الراجح من أقوال
أهل العلم المستند للدليل، وهو قوله عليه الصلاة والسلام للمرأة لما قال
لها: (أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا.
قال لها: أيسرك أن يسورك الله سوارين من نار يوم
القيامة؟) فعليك معرفة ثمن الحلي عند حلول الحول بالتقريب، فأكثر، وكذلك
إذا كان عندك حلي للبنات تخرجين زكاة كل بنت على حدة، تعامل كل بنت بنصاب
منفصل، فلو كانت البنت عندها أربعين غراماً لا يجب عليها، والبنت الثانية
عندها خمسون غراماً لا يجب عليها، لكن لو أن البنت الواحدة عندها تسعين
غراماً مثلاً أو مائة يجب عليها، وأنت تلاحظين زكاة ذهب بناتك أنت،
وتخرجينها بالنقود أو من نفس الذهب، أو ببيع قطعة منه، أو يتبرع الزوج عنك
بعلمك، كل ذلك جائز والحمد لله.
وبعض النساء اعتدن على إعطاء أسر قد أغناها الله، كانوا
قبل ذلك أيتاماً وأرامل لكن الآن أغناهم الله، فلا يجوز الاستمرار في
إعطائهم وقد أعطاهم الله، ولم يصبحوا من أهل الآية الكريمة، {إِنَّمَا
الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:60] ، فينبغي البحث
عن المستحقين الآخرين.
حملات تبرع
هناك حملات للتبرعات التي ينبغي أن نقوم بها في أي
مكان، بين الزملاء، أو في المساجد، أو في الجوامع، أو في الجمع، أو في
الأعياد، أو في رمضان، أو حتى في وقت استلام الراتب من كل الطلاب، أو
الموظفين في أي دائرة، أو حتى في الأزمات التي تمر بالمسلمين، وليكن لك أنت
شرف السبق إلى ذلك والمسارعة والمساهمة.
مع أنه ينبغي علينا جميعاً حينما نبذل ونتبرع أن نراعي أهل الثقة والعدالة، وأن نتأكد من وصول الأمر إلى مستحقيه.
ثم هناك نقطة إضافية وهي تخصيص جزء من عملك التجاري
الاستثماري- كما أسلفت- فإذا كان عندك عشرة فروع لمتجرك فلماذا لا تخصص
واحداً منها لمشاريع الخير؟ وجرِّب وقس وسوف تجد أن مالك يتضاعف بذلك،
وخاصة حينما تتولى إدارته بنفسك وتنميه لوجه الله عز وجل، ثم هناك المشاريع
الاستثمارية التي يقوم عليها بعض الأخيار لصالح الدعوة، وهذا واجب على
الدعاة أن يقوموا به، وواجب على الاقتصاديين أن يفكروا جيداً في هذا الأمر
ويعملوا له.
إن الكثيرين قد يتساءلون عن مثل ذلك، إنها أموال تصرف
في أعمال الخير في تجارة، في أرض، في مزرعة، في أي عمل آخر، ويكون هناك
مجموعة من الأمناء القائمين على هذا المشروع بحيث يطمئن إلى استمراره وألاّ
يكون مرهوناً بحياة إنسان، أو موته، وألاّ يكون فيه مجال لضياع الأموال،
أو استغلالها من قبل بعض ضعفاء النفوس، وإن كانت مثل هذه الأمور مما لا
ينبغي أن يطال بتفصيلها.
وهناك مشروع صناديق الدعوة، وقد يكون هذا الصندوق في
المسجد، أو في غرفة الصرف في الدوائر الحكومية، أو حتى في البيت لتبذل فيه
المرأة، أو يضع فيه الطفل ما تيسر له، وفي خلال شهر، أو شهور يكون قد اجتمع
فيه مبلغ كبير، وينبغي أن تفتح هذه الصناديق أولاً بأول ليأخذ ما فيها،
ويمكن أن تفهم صناديق الدعوة بطريقة أشمل من ذلك بحيث تكون على تلك مؤسسة
صغيرة لها إدارة، لها دخل ثابت وإيرادات، ولها مصروفات، ولها نشاطات، ولها
حسابات.
وهناك الزكاة وهي من أعظم مصادر المال وأهميتها،
وضرورتها واضحة جداً، فينبغي أن توضع في موضعها المناسب، ولو أن أغنياء
المسلمين أخرجوا زكاة أموالهم، لاستغنى المسلمون جميعاً، سواء كانوا من
المجاهدين، أو من الفقراء، أو من المحتاجين، أو من الراغبين في الزواج، أو
سواه.
إن هناك من المسلمين من يملكون أموالاً هائلةً طائلةً
زكاتها تدفن فقر المسلمين جميعاً، فلماذا لا يحاسب المسلم نفسه محاسبة
الشريك الشحيح؟ بل وحتى يخرج احتياطاً لئلا يدخل شيء من مال الزكاة في ماله
الخاص، بل إذا لزم الأمر، فلا مانع من تعجيل الزكاة إذا كان هناك مناسبة،
فادع إلى تعجيلها، فقد روى الترمذي وأبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله
عنه وأرضاه: {أن العباس سأل الرسول صلى الله عليه وسلم تعجيل زكاته قبل أن
يحول الحول مسارعة إلى الخير، فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك}
والحديث رواه أحمد أيضاً والدارقطني والحاكم، وفي سنده ضعف، ولكن له شواهد.