(لا تحقرن من المعروف شيئاً) ،
تصدق وإن كان المال قليلاً وأخرج ما عندك، فالله تبارك وتعالى يربيها لك،
وقد كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يتصدق على من يقابله بالسكر، كان
يحمل قطعة سكر في جيبه ويتصدق بها، فسُئِلَ عن ذلك فقال: قال الله عز وجل:
{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل
عمران:92] ، وأنا أحب السكر.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتصدق بحبات العنب،
فَيُسأل: وما تغني حبة عنب، فإنها لا تشبع ولا تروي ظمأ ظامئ؟ فيقول: (إن
فيها مثاقيل كثيرة، قال الله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
خَيْرًا يَرَه} [الزلزلة:7] ) والذرة لا ترى بالعين المجردة، فلو فعلت
مثقال ذرة خيراً لوجدته، فما بالك بحبة عنب! فإن فيها مثاقيل كثيرة.
ويروى أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تعطر
الدنانير والدراهم قبل أن تتصدق بها، فتسأل عن ذلك؟ فتقول: إنني أضعها في
يد الله تبارك وتعالى قبل أن تصل إلى يد المسكين.
لقد أدبنا الله تبارك وتعالى أدباً آخر، فقال تعالى:
{وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ
إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:267] ، فإذا كان لديك تمر، أو أي
شيء تريد أن تتصدق به، فإياك أن تتصدق بالرديء منه، مثلاً: بعض الناس لديه
قميص ثمنه تسعون جنيهاً، ثم وهو يكويه كانت المكواة حارة فخرقته، فجاءني
وقال: خذ هذا وتصدق به على مسكين، مع أنه لو لم يحرق هذا القميص لما خطر
على باله أن يتصدق به، إذاً {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ
تُنفِقُونَ} [البقرة:267] ، فإنك لو كنت في مكان ذلك المسكين وجاءك رجلٌ
بمثل هذا الرديء لما أخذته إلا على إغماض، لأنه رديء، قال تعالى:
{وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:267] .
فلا يجوز للمرء أن يعمد إلى الشيء الرديء ثم يتصدق به،
إنما يتصدق بأجود ما عنده لماذا؟ لأنه يضع هذه الصدقة في يد الله تبارك
وتعالى قبل أن تصل إلى يد المسكين.
أورق بخيرٍ تؤمل للجزيل فما ترجى الثمار إذا لم يورق
العود إن الكريم ليخفي عنك عسرته حتى تراه غنياً وهو مجهود بث النوال ولا
تمنعك قلته فكلما سد فقراً فهو محمود وللبخيل على أمواله عللٌ زرق العيون
عليها أوجهٌ سود وقال آخر: أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمحل
جديب وما الخصب للأضياف أن تكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب إن الكثيرين
يستقلون ما لديهم من المال فيمنعونه، والقليل خيرٌ من العدم، وفي الحديث:
{لا تحقرنَّ جارةٌ لجارتها ولو فرسن شاةٍ} وفي حديث آخر: {ولو بظلف محرق}
وفي حديث ثالث: {ولو بشق تمرة} إنه جهد المقل، وقد {سبق درهمٌ ألف درهم} بل
الحرقة منك وفي قلبك تكفينا إذا لم تجد غيرها.
والله مدح المؤمنين -أو بعضهم- من الفقراء والمعدمين
بقوله: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا
أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ
الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة:92] ولقد أثنى
الله عليهم في القرآن بدموعهم التي أراقوها، لأنهم لم يجدوا ما ينفقون،
فإن وجدت مالاً فتصدق، وإن لم تجد فتكفينا دموعك، فهي دموع صادقة إن شاء
الله، وربما تدخل الجنة وسوف تجد هذه الدموع في ميزان حسناتك يوم القيامة.
أيها الأخ الكريم: إنك تتعذر منا بأنه ليس عندك مال.
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم تسعد
الحال وأنا لي معك حديثٌ في الأسبوع القادم، حديث ذو شجون، وقد جعلت
عنوانه: دلوني على سوق المدينة، سوف أتحدث وأدلك على طرق كثر أنت غافلٌ
عنها، وأزيل عنك الغشاوة في أمور كثيرة.
إنه لا يجوز أبداً أن يكون أهل الإسلام وأولياؤه ودعاته
وشباب الصحوة كلهم فقراء محتاجين، لقد رأيتك أيها الأخ الكريم مراراً،
وأنت قادمٌ علي، فأيقنت أنك قادمٌ بعطاء سخي لإخوانك هنا أو هناك، فإذا بك
تحمل أوراقاً تطلب فيها مساعدةً في سداد دين، أو تفريج كرب ألم بك، وأنت
معذورٌ ربما، ولكن نريد منك أن تسعى إلى تغيير حالك وحال غيرك بقدر
المستطاع.