الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد
..
فمن فضل الله تعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن جعل لها مواسم
للخيرات ، تتهيأ فيها النفوس إلى عمل الصالحات ، وتُقبل فيها القلوب على
الله راجية أن تنال عفوه ورضاه .
ومن أعظم هذه المواسم شهر رمضان المبارك ، وقد شرع الله تعالى لنا صيام
رمضان حتى نغير فيه من أنفسنا فنحبسها عن الشهوات، ونفطمها عن المألوفات.
- فرمضان خطوة نحو التغيير لمن كان مفرطاً في صلاته ، فلا يصليها
مطلقاً ، أو يؤخرها عن وقتها , أو يتخلف عن أدائها جماعة في المسجد بأن
يواظب على أداء الصلوات في أوقاتها مع جماعة المسجد ، فأول ما يحاسب عليه
العبد يوم القيامة الصلاة ، فإذا صلحت صلح سائر عمله ، وإذا فسدت فسد سائر
عمله .
- رمضان خطوة نحو التغيير لمن اعتاد الإسفاف في الكلام أن يغير من
نفسه فلا يتكلم إلا بخير ، ولا يقول إلا خيراً فالكلمة الطيبة صدقة ، وحفظ
اللسان طريق لدخول الجنة والنجاة من النار ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله
لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط
الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم » [ صحيح البخاري كتاب الرقاق
حديث 5997 ]
- رمضان خطوة نحو التغيير لمن خاصم أحداً من الناس أن يعفو ويصفح ، قال
تعالى : { فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ
اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ سورة البقرة : 109 ]
- رمضان خطوة نحو التغيير للغارقين في بحور
الذنوب والمعاصي أن يسارعوا بالتوبة والرجوع والإنابة لله سبحانه وتعالى
فهو سبحانه {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي
الطَّوْلِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [ غافر : 3 ]
- رمضان خطوة نحو التغيير لمن هجر قراءة وحفظ القرآن الكريم وتدبره
والعمل بما فيه ، بأن ينتهز شهر القرآن فيحدد لنفسه ورداً معيناً يحافظ
عليه في كل يوم .
- رمضان خطوة نحو التغيير لمن اعتاد الشح والبخل أن يكثر من الصدقات
فالله سبحانه وتعالى يربي الصدقة لصاحبها حتى تصير مثل الجبل ، قال تعالى :
{يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ } [ سورة البقرة : 276
]
- رمضان خطوة نحو التغيير للغافلين عن ذكر الله تعالى أن يكثروا من
الذكر آناء الليل وأطراف النهار ، قال تعالى : {يأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً
وَأَصِيلا} [الأحزاب :41 ، 42]
وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من الذكر فقال : « لاَ يَزَالُ
لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ » [ رواه الترمذي 3702 ]
- رمضان خطوة نحو التغيير لمن اعتاد الكذب أن يترك هذه العادة
السيئة ويتحلى بالصدق ، وقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم :أيكون المؤمن
كذاباً ؟ قال : لا ، وقال : « ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب
عند الله صديقا » [ مسند أحمد 3896 ] .
- رمضان خطوة نحو التغيير لمن قطع رحمه أن يصلها ، فصلة الرحم تزيد
في الرزق وتطيل العمر ومن وصلها وصله الله تعالى .
أخي الكريم : حتى تقوم بالتغيير يجب عليك أن تواجه نفسك بأخطائها ومعاصيها
، ولا تتنصل من تلك الأخطاء بأن تجد لها المبررات ، واعلم أنك لن تُصلح من
شأنك إلا إذا كنت عازماً ومصراً على التغيير ، فلتكن جاداً في تغيير نفسك
من الآن ، ولا تؤجل ولا تسوف .
لا تقل : من أين أبدأ =>
طاعه الله البداية
لا تقل : أين طريقي => شرعة الله الهداية
لا تقل : أين نعيمي => جنة الله كفاية
لا تقل : في الغد أبدأ => ربما تأتي النهاية
واعلم أن البداية عليك وعلى الله التمام ، يقول
الله تعالى : « ابن آدم ، قم إلي أمشي إليك ، امش إلي أهرول أليك » [ أحمد
( 3 / 478 ) ، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 2287 ]
فاستعن بالله أولاً وأخيراً ، ولتكن لك إرادة وعزيمة قوية في أن تغير نفسك
إلى الأفضل ، واعلم أن التغيير لا بد أن يبدأ من أعماق نفسك ، واعلم أن
الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، فدرب نفسك وعودها على
الطاعة ، واستعن بالله عز وجل واطلب منه أن يوفقك لما يحب ويرضى ، وليكن
شعارك :
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى
-- فما انقادت الآمال إلا لصابر
وإذا تهت عن الطريق فعُد من جديد ، وتُب إلى
الله ، افتح صفحة جديدة في حياتك ، وجدد نيتك ، واعلم أنك إذا لم تنجح في
تغيير نفسك في رمضان فإنك لن تقدر على التغيير، بل أظنك لا تريد التغيير،
فأنت من المحرومين والخاسرين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «
أَتَانِي جِبْرِيلُ ، فَقَالَ : رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ رَمَضَانَ
فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، قُلْ : آمِينَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ » [ مسند البزار
1405 ].
وأخيراً : لا بد من أن يكون لك هدف واضح تريد الوصول إليه ، تعيش من
أجله ، وتجعله دائماً نُصب عينيك ، ولا شك أن أعظم وأسمى هدف يسعى إليه
المؤمن في هذا الشهر الكريم أن يعتق الله رقبته من النار .
فاللهم اجعلنا من عتقائك من النار ومن المقبولين في هذا الشهر الكريم.