كثير من الرسائل التي ترسل تكون " نٌكت" أو طرائف , فتعالوا نقف مع هذه النكت بعض الوقفات البسيطة :-
أولاً :- ما حكم النكت ؟
في سؤال وجه لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – عن ما حكم النكت في ديننا الإسلامي ؟ وهل هي من لهو الحديث علماً بأنها ليست إستهزاءً بالدين أفتونا مأجورين ؟
الجواب : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , التفكه بالكلام والتنكيت إذا كان بحقٍ وصدق فلا بأس به ولا سيما مع عدم الإكثار من ذلك , وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا صلى الله عليه وسلم أما إذا كان بالكذب فلا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له " أخرجه ابوداود والترمذي والنسائي بإسنادٍ جيد . والله ولي التوفيق
ثانياً :- كثير منها فيها كذب .
فهذه النكت في سوادها الأعظم كانت كذب لم تحصل لصاحبها ولا للناس الذين يتكلم عنهم ويكفينا من ذلك قول الله سبحانه وتعالى : " يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " التوبة 119 وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم : "... وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يٌكتب عند الله كذابا " رواه البخاري 10 / 422 ومسلم 2607 فمن منا يريد أن يكتب عند الله كذابا ؟
ثالثاً :- فيها الكثير من الغيبة .
من تأمل الكثير من هذه النكت وجد فيها غيبة شخص معين أو أشخاص أو قبائل معينة أو مجتمعات بأكملها وهذا والله شيءُ عجيب فالمغتاب يهدي حسناته لمن إغتابه فكيف نصلي ونصوم ونتصدق ونعمل من الأعمال الصالحة الشيء الكثير ونتعب في ذلك كله ثم نهدي حسناتنا تلك على طبقٍ من ذهب لمن إغتبناهم !! ولذلك كان عبد الله ابن المبارك - رحمه الله - يقول : لو كنت مغتاباً أحداً من المسلمين لإغتبت أمي وأبي فهما أولى الناس بحسناتي . وقيل للحسن البصري – رحمه الله - : فلان إغتابك , فذهب إلى منزل ذلك المغتاب وأهداه صحناً من التمر وقال له : بلغني أنك أهديت لي من حسناتك فأحببتُ أن أكافئك.
قال الله تعالى : " ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله غفور رحيم " الحجرات 12 وقال صلى الله عليه وسلم : " يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفضي الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله " رواه الترمذي 1655 وقال الألباني : حديث حسن صحيح . وقال الله سبحانه وتعالى : " ويل لكل همزةٍ لمزة " قال مجاهد : هو الطعان الآكل لحوم الناس .
رابعاً :- تحتوي على إستهزاء وسخرية .
وكثير من هذه النكت تستهزئ وتسخر من بعض الأشخاص أو بعض فئات المجتمع أو بعض القبائل المعينة وهذا ليس من أخلاق المسلمين الذين تربوا على القرآن والسنة بل حتى الفطرة السوية ترفض مثل هذه الأشياء , فيقول سبحانه : " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون " الحجرات 11 يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله – في تفسير هذه الآية : من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض أن لا يسخر قوم من قوم بكل كلام وقول وفعل دال على تحقير الأخ المسلم فإن ذلك حرام وهو داخل على إعجاب الساخر بنفسه , وعسى أن يكون المسخور به خيراً من الساخر وهو الغالب والواقع . فإن السخرية لا تقع إلا من قلبٍ ممتلئ من مساؤئ الأخلاق متحلٍ بكل خلقٍ ذميم متخلٍ من كل خلق كريم , ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " بحسب إمرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم " رواه مسلم
خامساً :- في بعضها إستهزاء بالدين وأهله .
وأشد أنواع الاستهزاء وأعظمها خطراً: الاستهزاء بالدين وأهله، ولخطورته وعظم أمره فقد أجمع العلماء على أن الاستهزاء بالله وبدينه وبرسوله كفر بواح، يخرج من الملة بالكلية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كـفر يكفر صاحبه بعد إيمانه.
ولقد تفنن في أنواع السخرية والاستهزاء، فهناك من يهزأ بالحجاب، وآخر يسخر بتنفيذ الأحكام الشرعية، ولمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر نصيب من ذلك.. كما أن سنة نبينا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام أيضاً لها نصيب من مرضى القلوب، فظهر الاستهزاء باللحية وقصر الثوب وغيره.
في جواب اللجنة الدائمة للإفتاء على من قال لآخر: "يا لحية" مستهزئاً: إن الاستهزاء باللحية منكر عظيم فإن قصد القائل بقوله: "يا لحية "، السخرية فذلك كفر، وإن قصد التعريف فليس بكفر، ولا ينبغي أن يدعوه بذلك
.
ولنعلم خطورة الاستهزاء على دين الرجل.. فلنستمع إلى ما يتلى في سورة التوبة قال تعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ [التوبة:65-66].
وقد ورد في سبب نزولها أن رجلاً قال: ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطوناً، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء. فرفع ذلك إلى الرسول فجاء إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله: إنما كنا نخوض ونلعب فقال: أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ إلى قوله مُجْرِمِينَ " وإن رجليه لتنسفان الحجارة، وما يلتفت إليه رسول الله وهو متعلق بنسعة ناقة رسول الله .
وثابت من سيرة رسول الله أنه أرحم الناس بالناس، وأقبل الناس عذراً للناس، ومع ذلك كله لم يقبل عذرا لمستهزئ، ولم يلتفت لحجة ساخر ضاحك. ولعلك – أخي - لاحظت في الآية الكريمة أن الله شهد لهم بالإيمان قبل الاستهزاء فقال: قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ .
قال ابن الجوزي في زاد المسير: وهذا يدل على أن الجد واللعب في إظهار كلمة الكفر سواء.
وقال الشيخ السعدي - رحمه الله -: إن الاستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج عن الدين، لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله -: ومن الناس ديدنه تتبع أهل العلم لقيهم أو لم يلقهم، مثل قول: المطاوعة كذا وكذا. فهذا يخشى أن
يكون مرتداً، ولا ينقم عليهم إلا أنهم أهل الطاعة..
ولقد فضح الله تعالى موقف المستهزئين بالمؤمنين وبين مراتبهم في الدار الآخرة فقال تعالى: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [البقرة:212].
والبعض إذا قيل له هذا من باب الاستهزاء بالدين، قال: نحن لم نقصد الدين، ولم نقصد الرجل بذاته، بل نمرح ونمزح..
وما علم إلى أين يؤدي به هذا المرح وذاك المزاح؟
إنه خزي في الدنيا وعذاب في الآخرة. هلاك ودمار في العاجلة. وعذاب مقيم في الآجلة.
نسأل الله السلامة ،
منقول للفائدة