تأسيس المسجد وشروطه
المسجد مؤسسة جامعة شاملة، ما قصة تأسيس المسجد في اﻹسلام كيف بدأت ولماذا؟
المسجد مؤسسة ﺇسلامية خالصة، ﺇسلامية علمية عملية تعليمية تربوية اجتماعية جهادية سياسية، مؤسسة ﺇسلامية شاملة شمول اﻹسلام وبذلك النبي عليه الصلاة والسلام حينما ذهب ﺇلى المدينة أول شيء عمله المسجد وهو في الطريق قبل أن يصل ﺇلى المقر النهائي في المدينة قبل مدينة قباء كانت في الطرف أصبحت الآن جزء من المدينة فبني مسجد قباء، ونزل فيه قوله تعالى {مَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ}[التوبة:108] وحينما ذهب ﺇلى المدينة كان أول مشروع للنبي صلى الله عليه وسلم لهذه الدولة الجديدة هو بناء المسجد، فبنا المسجد اختاره واختاروه كلهم هو وأصحابه من الهاجرين والأنصار أصبحوا يبنون هذا المسجد، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ((اللهم اغفر للأنصار والمهاجرين)) في بناء هذا المسجد والصحابة يبنون مع الرسول، ويقول لا يستوي من يعمر المساجد عيشوا فيها ركعا وسجدا ومن يرى عن الغبار حائدا، بدأوا يبنون هذا المسجد العظيم، وبني في أول الأمر مسجد بسيط جدا من الطوب الني وليس حتى الحجارة وسقف من جذوع النخيل والأشياء المتوفرة لديهم لم يكن فيه أشياء من القوية والصخور ، ومفروش بالحصباء، حتى كانت أبوابه لا تغلق، ولذلك كانت الكلاب تغدو فيه وتروح، ومن هنا بعض الصحابة لما جاء عند النبي صلى الله عليه وسلم وحصره البول بال في المسجد لأنه لا مبني فيه، لا حصير ولا سجاجيد، في هذا المسجد، ولكن بعد ذلك بني في عهد أبي بكر وبناه عثمان في عهده، فطور البناء الدنيا تغيرت، عمر كان يقول للباني عنده أكن الناس من المطر ولا تحمر ولا تصفر، ما تعملش حاجات حمرا وحاجات صفرا وزخارف، إنما عثمان وقد اتسعت الدنيا في عهده وبدأت ريح الحضارة تهب فبدأ يعمل المسجد ويعمل فيه نقوش ويعمل فيه أشياء فضية، ثم بعد ذلك تطور المسجد عهد بعد عهد إلى أن جاء العثمانيون وعملوا فيه ما عملوا، وما باقي مع عهد العثمانيين أخذه السعوديون وأكملوه كما نرى الآن وأصبح المسجد هذا الشيء الضخم العظيم من البناء والعمارة والهندسة، دنيا لوحدها وفي كل يوم يزداد في عهد الملك عبد الله يريد أن يكمل عمارة المسجدين، الحرمين الشريفين في مكة والمدينة حتى يتسع لأكبر عدد من المسلمين، يبني مسجدا كبيرا في مكة.
حتى يستوعب الملايين في الحج وغيره، الفقهاء مولانا فرقوا بين المصلى والمسجد، والمسجد الجامع ما هذه التفرقة كيف نوضحها للمشاهدين وهل لها أهمية اليوم؟
هو طبعاً لأن فيه الناس لها حاجات للصلاة، مثلاً في جنوة فيه مساجد في أحياء ، الحي والقنوات الصغيرة، الناس تيجي لحي صغيروتكتري فيه مكان ليصلي فيه الناس، وهم في عملهم وتجارتهم يصلون الظهر مع بعض يصلون العصر، يصلون المغرب.
هذا المصلى، ليس فيه صلاة جمعة وليس فيه، إنما يصلى فيه المسجد، في حاجة اسمها الزاوية يعني مساجد صغيرة تعمل على أساس الناس تصلي فيها الصلوات الخمس وليس من الضرورة أن تصلى فيها الجمعة، الجمعة تمشي الى المسجد الكبير، في المذهب الحنبلي فيه صلاة الجماعة فرض عين واجبة على كل مسلم إلا من عنده عذر، ولذلك عندهم مسجد الجماعة هو مسجد الجمعة، والمذهب الحنبلي هو السائد في مكة والمدينة والحجاز ونجد وهذه المنطقة كلها والمملكة السعودية كلها يسود فيها المذهب الحنبلي، فنجد مسجد للجماعة، ومسجد لصلاة الجمعة، كل واحد له أهمية ومع هذا المسلمين يستوعبون هذه المساجد كلها وتضيق بهم.
تعامل النبي صلى الله عليه وسلم معه بما ينبغي لهذا المسجد من عناية ورعاية واهتمام، جمع الصحابة في المسجد، المسجد كان الإسلام يعتبره مصانع التوحيد، المصانع التي تصنع الموحدون لله من المسلمين المؤمنين الذين لا يرضون بغير الله رباً، ولا يتخذون غير الله ولياً، ولا يبتغون غير الله حكماَ، التوحيد بحقائقه الثلاثة، ربى النبي هؤلاء في المسجد اجتمع فيه الرجال والنساء والشباب والشيوخ والأغنياء والفقراء والرجل والمرأة، يعني كل هؤلاء اجتمعوا في المسجد تحت تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلمهم القرآن ويعلمهم السنة ويعلمهم الكتاب والحكمة، كما قال الله تعالى : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}[الجمعة:2] هذه التربية النبوية، بدأت في المسجد، المسجد هو الذي وسع هذه التربية بكل شمولها وبكل خصائصها وبكل مقوماتها، هي تربية علمية وتربية عملية وتربية لغوية وتربية أدبية وتربية مهنية وتربية اجتماعية وتربية عسكرية، كل أنواع التربية الحقيقية بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يغرسها في نفوس المسلمين في المسجد الشريف.
سؤال : إذا كان المسجد مؤسسة جامعة لماذا اليوم نرى تراجعاَ لدور المسجد يقتصر فقط على العبادة بمفهومها القريب والمباشر؟
إن المسجد كان جامعة ثقافية شعبية للأمة، كان برلماناً، مؤتمراً، معهداً دائماً بالتربية العملية على غرس الحرية والإخاء والمساواة، لماذا نرى اليوم دور المسجد قد انحصر فقط في العبادة بمعناها القريب جداً والشامل يعني الصلاة والأذكار فقط؟
للأسف هذا انحدار بوظيفة المسجد، ومهمة المسجد لم يعرفه التاريخ الإسلامي قط، لأنه رأينا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة المسجد كان هو الذي يحرك الأمة، المسجد له وظيفة عسكرية وتربوية وتوجيهية، الصحابة يبدأون خطبة العرش في المسجد، أبو بكر أول خطبة خطبها كان فين كان في المسجد (( أيها الناس إني قد وُلِّيتُ عليكم ولستُ بخيركم فإن رأيتُموني على حق فأَعينوني وإن رأيتُموني على باطل فسدِّدوني، أَطيعوني ما أطعتُ الله فيكم فإذا عصيتُه لا طاعة لي عليكم))، عمر بن الخطاب ((من رأى فيكم فيّ اعوجاجاً فليقومني))، عثمان بن عفان يأمر بإطاعته في طاعة الله، وعدم طاعته إذا عصاه، وعلي بن أبي طالب، كلهم يقولون هكذا، كان المسجد هو صرة الحياة الإسلامية، وفي عهود الأمويين والعثمانيين والعباسيين أيضاً ارتقى المسجد ارتقاءً عظيماً وأصبحت المساجد ليست للعبادة بالمعنى الحرفي، العبادة لها معنى كبير، العبادة كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال والنيات والمناهج التشريعية والتثقيفية والأخلاقية، والجهادية والتربوية، كل هذا يدخل في المساجد، في هذه العصور كان المسجد هكذا، في عهد العثمانيين، المسجد عندهم لما تمشي تشوف الآن السليمانية ولا مسجد السلطان أحمد أو المساجد الكبرى هناك، المسجد له أماكن، فيه مكتبة للمسجد كبيرة تبقى تابعة المسجد، فيه أماكن للطلاب يدرسون، فيه سعة في المناطق، حدائق حول المسجد وهكذا ولما تشوف أيضا السلطان حسن في مصر الأزهر أحمد ابن طولون لأن كان المسجد يبنى بناءا كبيرا أول ما تعمر البلد يبنى فيها مسجدا يسع الناس بحيث يصلي الناس فيه الجمعة جميعا عمرو بن العاص بنا مسجد الفسطاط ليسع الناس ولما جاءه أحمد ابن طولون بنا مسجد القطائع مسجد أحمد بن طولون في القاهرة إلى الآن جامع كبير ، الظاهر بيبرس بنا الأزهر وهكذا، ولكن لما جاء العصر الحديث الناس للأسف يعني الدور العلماني الذي سار فيه كثير من المسلمين عزل الدين عن الحياة عن الدنيا عن الدولة عن السياسة عن المجتمع، عزل الدين أراد من هذا أن يقبروا المسجد يجعلونها مقبرة للناس فلا يتسع لما كان يتسع من قبل فحرموه من أشياء كثيرة كان المفروض أن يقوم بها .
تاريخيا أيضا المسجد أدى دور الجامعة نتحدث عن جامع الزيتون وجامعة الزيتونة عن الأزهر في مصر عن مسجد القرويين في المغرب يعني كان له دور أن تحول إلى جامعة أين أصبح هذا الدور اليوم؟
الجامعات يعني في بلادنا الإسلامية تطورت من الجوامع، كانت هذه الجوامع الكبرى القديمة الأزهر والزيتونة والقرويين الأزهر في مصر الزيتونة في تونس القرويين في المغرب وجامع قرطبة في الأندلس وجوامع كثيرة في الهند كانت تقوم بالدور الذي تقوم به الجامعات الكبرى تعلم العلم، الصحابة بدأوا منذ عهد ابن عباس وغيره يعني يدرسون التفسير والحديث والسيرة النبوية واللغة العربية والأدب والحاجات هذه في المسجد والصحابة كانوا واستمر هذا، ثم بعد ذلك استقلت الجامعات وأصبح لها مبان خاصة لأنها أصبحت كبرى، فهذا دور المسجد، المسجد انقلب إلى جامعة علمية وجمعية خيرية وجامعة ثقافية هكذا كان المسجد لا مجرد مسجد بل كان جامعة ثقافية ، الناس يأتون إليها من كل مكان يتعلمون فيها، وكان برلمان للناس يلتقون فيه يوميا ويلتقون فيه بالولاة والأمراء ويناقشونهم، وكان يعرض الحرية والإخاء والمساواة، هذه أشياء معهد تربوي عملي يلقن الأمة هذه الأمور باستمرار هكذا كان المسجد وينبغي أن يكون هذا المسجد، وإذا كان هناك وزارات للأوقاف وللتعليم الديني والدعوة وهذه الأشياء، يجب أن تقوم بذلك أن تعيد هذه الروح إلى المسجد لا تترك المسجد يهمل ويصبح من يعني تاريخ قديم ما عاد له لا، لا هذا المسجد له أهمية كبرى في الحياة الإسلامية.
سؤال: بناء المسجد هل يخضع لحاجة الناس هل يخضع لفقه الأولويات أم يبنى بشكل عفوي دون أي دراسة؟
لازم دراسة قوية ودراسة الحاجات وأنا أقول إن المسلمين حتى الآن يحتاجون إلى مساجد كثيرة جدا للأسف أنا أقول أن النصارى حاجتهم للكنيسة قليلة لأن الناس في الكنيسة يحتاجونها مرة في الأسبوع وليس على سبيل الفرضية إنما على سبيل الاستحباب، المسجد فرض في حياة المسلمين، المسلم لا بد أن يذهب إلى المسجد أكثر من مرة كل يوم، فيه خمس صلوات لابد أن تصلى في المسجد خمس صلوات تصلي في كل مسجد عدد من الناس يوميا، وفي صلاة الجمعة وصلاة الأعياد وصلوات أخرى هذه مطلوبة في المسجد،
بناء المسجد هل يقتصر فقط على الحجر على الباطون أم يلزمه أيضا الخطيب والإمام والخادم والمؤذن؟
{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ}[التوبة:18] العمارة ليست البناء فقط إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فالعمارة تكون بالناس والناس لابد لهم من إمام وإمام مؤهل ولابد أن نؤهل الأئمة نعطيهم من الدراسات باستمرار نعطيهم دراسات جديدة ليست لعلوم الدينية وإنما علوم النفس وعلوم الاجتماع وعلوم الحياة ونؤهل المسجد وعلمه باستمرار لابد فيه من عالم ومن مؤذن ومن خدم ومن كذا حتى تقوم بالدور المطلوب له في توجيه الحياة الإسلامية والهداية للتي هي أقوم، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9] كيف نهدي للتي هي أقوم؟ بالإمام المثقف بالثقافة الإسلامية الراسخة التي تؤهله للدعوة إلى الله والدعوة إلى الإسلام بخصائصه ومقوماته شاملا متكاملا عقيدة وشريعة ودعوة وجهاد هذا ما نريده للمسلمين في هذا العصر.