بسم الله الرحمان الرحيم
دعاء الاستفتاح
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ سراً بأدعية كثيرة متنوعة، يحمد الله تعالى فيها، ويمجده ويثني عليه بما هو أهلٌ له،وقد أمر بذلك في حديث (المسيء صلاته) حيثُ قال له: (لا تتم صلاةٌ لأحدٍ من الناس حتى يكبر، ويـحمَد اللهَ جل وعز ويثني عليه، ويقرأ بما تيسر من القرآن.......) رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وقد وردَ عنه صلى الله عليه وسلم استفتاحاتٌ كثيرةٌ، وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ أحدها تارةً، وبآخر تارة أخرى.
ومن هذه الاستفتاحاتِ الثابتةِ:
الاستـفتاح الأولُ: (اللهمَّ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدْتَ بينَ المشرقِ والمغرب، اللهمَّ نقنِي من الخطايا كما يُنقى الثوبُ الأبيضُ من الدنسِ، اللهمَّ اغسل خطاياي بالماءِ والثلج والبردِ) متفق عليه.
الشرح:
(اللهمَّ باعدْ بيني وبين خطاياي): أي: باعدْ بيني وبين فِعْلِهَا بحيثُ لا أَفْعَلُهَا، وباعد بيني وبين عقوبتِهَا إن فعلتُها.
(اللهم نقني): أي: نقني من ذنوبي وخطاياي التي وقعت مني كما يغسل الثوب الأبيض إذا أصابه الدنس فيرجع أبيض،وخص الثوب الأبيض لأنه أشد ما يؤثر فيه الوسخ بخلاف غيره من الألوان.
(اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد): أي: ثم أزل آثارها بزيادة التطهير بالماء والثلج والبرد.
الاستـفتاح الثاني: (سُبْحانَك اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ وتبارَكَ اسْمُكَ وتعالى جدُّك ولا إلهَ غيرُك) رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما وصححه الحاكم.
قال ابن القيم: (فإذا قال: " سبحانك اللهم و بحمدك" و أثنى علَى اللهِ تعالى بما هو أهلُه، فقد خرجَ بذلك عن الغفلةِ و أهلِها، فإن الغفلةَ حجابٌ بينَهُ و بين الله، و أتى بالتحيةِ و الثناءِ الذي يُخاطَبُ به الملكُ عند الدخولِ عليه تعظيما له و تمهيدا، و كان ذلك تمجيدا و مقدمة بين يدي حاجتِهِ. فكان في الثناء من آداب العبوديةِ، و تعظيمِ المعبودِ ما يُستَجلَبُ به إقبالُه عليه، و رضاه عنه، وإسعافُه بفضلِه حوائجه).
شرح دعاء الاستفتاح:
(سبحانك اللهم): أي أُسَبِّحُكَ تسبيحاً: بمعنى أُنَزِّهك تنزيهاً من كل النقائص.
(وبحمدك): أي: ونحنُ متلبسون بحمدك، ومعناه: أجمع لك يا الله بين التسبيح والحمد.
(وتبارك اسمك): أي كثرت بركةُ اسمِك، والذي تُنال البركة بذكره.
(وتعالى جدُّك): أي علا جلالُك وعظمتُك.
(ولا إله غيرك): أي لا معبودَ في الأرضِ ولا في السماءِ سواك يا الله.
فائدة:
صحَّ عن عمرَ بنِ الخطابِ رضي اللهُ عنهُ عن أنه كانَ يستفتحُ به ويجهر به، ويعلمُه الناسَ.
قال ابنُ القيم رحمه الله تعالى: ومع أن الاستفتاحاتِ التي قبلَه أصحُّ منه إلا أن الإمامَ أحمدَ اختارَ هذا الدعاءَ لعشرةِ أَوْجُهٍ منها:
1 – جَهْرُ عمرَ به يعلمُهُ الناسَ.
2 – اشتماله على أفضلِ الكلامِ بعد القرآنِ سبحانَ اللهِ ولا إلهَ إلا اللهُ واللهُ أكبرُ وقد تضمنَها هذا الاستفتاح مع تكبيرةِ الإحرامِ.
3 – أنَّ غيرَهُ مِنْ عامةِ الاستفتاحاتِ إنما هي في قيام الليلِ في النافِلَةِ وهذا كان عمرُ رضي الله عنه يفعلُه ويعلمُه للناس في الفرضِ.
الاستـفتاحُ الثالثُ: (اللَّهُمَّ ربَّ جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ فاطرَ السماواتِ والأرضِ عالمَ الغيبِ والشهادةِ أنتَ تحكمُ بين عبادِك فيما كانوا فيه يختلفونَ اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاءُ إلى صراطٍ مستقيم) رواه مسلم.
الشرح:
(اللهمَّ ربَّ جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ): اللهُ سبحانَهُ ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكُه ولكنه خصَّ هؤلاءِ الملائكةَ الثلاثةَ بالذكر تعظيماً وتشريفاً لهم إذ بهم تنتظمُ أمورَ العباد فهم ملائكةُ الحياةِ فجبريلُ هو الموكل بالوحي والذي به حياة القلوبِِ، وميكائيلُ هو الموكلُ بالقطر والذي به حياةُ الأرضِِ، وإسرافيلُ هو الموكلُ بالنفخ في الصور والذي به حياةُ العبادِ بعد موتهم من سماعِ النفخةِ الأولى.
(فاطر السماوات والأرض): أي خالقُهنَّ على غير مثالٍ سابقٍ.
(عالم الغيب والشهادة): عالمُ ما يغيبُ عن العبادِ وعالم ما يشاهدُوْنَه ويَظْهرُ لهم.
(فيما كانوا فيه يختلفون): أي ما اختلفوا فيه في الدنيا من أمور دينهم.
(اِهْدِني): دُلَّني على الحقِّ الذي اخْتَلِف فيه غيري ولم يقبله ثم ثبتني عليه.
(بإذنك): أي بمشيئتك وإرادتك وتوفيقك.
(إنك تهدي من تشاء إلي صراط مستقيم): أي إلى طريقٍ الحقِ.
الاستـفتاح الرابعُ: (الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً) رواه مسلم.
الشرح:
(بكرة وأصيلاً): البكرةُ أوَّلُ النهار والأصيلُ آخرَهُ.
وقد وردَ عن النبي صلى الله عليه وسلم استفتاحاتٌ عديدة متنوعة حري بالمسلم أن يتعلمَها ويحفظهَا وينوعَ بينها في صلاتِه ليشعرَ بتجددِ المعاني ويكون أَدْعَى إلى الخشوع والتدبر.
مسألة: هل يجمع المصلي بين هذه الاستفتاحاتِ الثابتةِ أو بعضِها في صلاة واحدةٍ؟
الجواب: لا يَجْمعُ المصلي بين الاستفتاحاتِ في الصلاةِ الواحدةِ لأنه خلافُ السنةِ، وإنما يكتفي بأحدها وينوعُ بينها في صلواتِه نفلها وفرضِها.