قوارب النجاة
حياة المؤمن كلُّها صراعٌ بين الحق والباطل ، والهدى والضلال
فإنْ هو استجاب للشيطان و الهوى تردَّى إلى المهالِك والخسران
و إنْ هو استجاب لداعي الحق والهدى ارتَقَى إلى أعلى الدرجات
و لقد قيَّض الله للمؤمن قوارب للنجاة منَ المهالك
و من هذه القوارب ( و ليس كلها ) :
* قارب معرفة الله *
و هو قارب النجاة من كلِّ ضلالة و انحراف
فالذي يعرف الله تعالى يعرف بالتالي الطريق إلى كل خير
و يجتنب بالتالي أسباب الوُقُوع في الشَّرِّ .
و المؤمن الحقيقيُّ يجب أن يقدر الله حق قدره
و يعرفه حق معرفته
يعرف طريق الوصول إليه ، و التقرب إلى جلاله
يعرف ما يرضيه ، و ما يسخطه
و ما يدنيه منه ، و ما يبعده عنه
يعرف ذلك ليس لذات المعرفة و إنما للتقيُّد والالتزام
لتزكية النفس ،و ترقيتها ، حتى تبلغ درجة الرَّبَّانيَّة :
( وَ لَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ) .
* قارب عبادة الله *
و هو قارب النجاة من الغرَق في بحر الضلالات
و سبيل النجاة من الآفات و الانحرافات
فالعبادة ، و إحسانها ، و الدوام عليها ، و الإكثار منها
تُنَظِّم الصِّلَة بالله ، و تُحسنها ، و تديمها
و الموصول بالله يبقى على مددٍ من الله ، و عون منه و عناية .
و مثل الموصول بالله كمَثَل الطائرة المستَرشدة في طيرانها ببرج المراقبة
فإذا انقطعتْ هذه الصلة تاهتِ الطائرةُ في الفضاء
و انحَرَفَتْ عن خطِّ سيرها
و تعرَّضتْ للأخطار و المهالك
أو كمثل السفينة الموصلة بنقطة المراقَبة في الميناء
إذا انقطعت صلتها تاهتْ في البحار
وغرقتْ في لجَّة ليس لها قَرار .
* قارب حب الله و رسوله *
و هو قارب النجاة من الغرَق في بحر حبِّ الدنيا
و التعلُّق بحطامها
و اللهث وراء مُتَعِها و شهواتها
فالذي تعلَّق قلبُه بالله لا يطغى عليه حب ما عداه
و إذا أحبَّ أحب في الله
سواء أكان حبًّا لأخ ، أو زوج ، أو ولد ، أو لأيِّ إنسان من الناس
و لقد كان من أدعية الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
( اللهم إني أسألك حبَّك، وحبَّ مَن يحبُّك، وحبَّ عمَل يُقربني إلى حبِّك ) .
و معنى محبة الله ورسوله :
تقديم مراد الله تعالى على مراد النفس
و تقديم طاعة الله و رسوله على طاعة الهوى و الشيطان
فيطوع المسلم رغبته و هواه وَفْقَ ما جاء به الإسلام
و يكون مُحِبًّا لتعاليم الإسلام أكثر من حبه لنفسه و هواها
وبهذا يتَحَقَّق الإيمانُ الصحيح.
* قارب الخوف من الله *
و هو قارب النجاة من الغرق في بحر :
الجبن ، و الخوف ، و المعاصي ، و الآثام
كان قدوتنا الأول - صلى الله عليه وسلم – يقول :
( أنا أخوفكم لله ) ، رواه البخاري .
و يقول : ( و الله إني لأخشاكم لله و أتقاكم له ) ، رواه البخاري .
فالذي يخاف الله تعالى يتقي سخطه ، و يخشى عذابه ، و يتحاشَى الوقوع في محارمه
و الذي يخاف الله تعالى يقذف الله في قلبه الجرأة ، و الشجاعة، و العزة
فلا يجبن عند لقاء العدو
و لا يتهَيَّب عند مُواجهة الطغاة
و لا يستحيي من الصدع بالحق
و لشدة الخوف من الله تعالى؛ كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول:
( لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبَكَيْتم كثيرًا ) .
و روي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يسقط من الخوف مغشيًّا عليه إذا سمع آية من القرآن.
و سُئل ابن عباس - رضي الله عنهما - عن الخائفين ، فقال :
قلوبهم بالخوف وجلة ، و أعينهم باكية
يقولون : كيف نفرح ، و الموت من ورائنا ، و القبر من أمامناو القيامة موعدنا ، و على جهنم طريقنا
و بين يدي الله ربنا موقفنا ؟!
* قارب مراقبة الله تعالى *
و هو قارب النجاة من الوقوع في الزلل ، و العثرات ، و الانحرافات
و هو يجعل المسلم حاضر القلب
يستهدي بالله لا بهواه
و مراقبة الله تعالى تجعل المؤمن يستحضر تلك العين
التي تراقبه في شتَّى أحواله و أعماله
و في كل أقواله و أفعاله
بل و في هواجسِه و مشاعرِه
كما يستحضر عظمة صاحب تلك العين - عز و جل - الذي لا تخفى عليه خافية :
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ).
* قارب الإخلاص لله *
و هو قارب النجاة من الغرَق في بحر :
النِّفاق ، و الشرك ، و الرِّياء ، و حب الظهور ، و بوار الأعمال .
و المؤمن في عمله و نشاطه ، و في كتابته و خطابته ، و في جهاده و جلاده
أحوج ما يكون إلى الإخلاص
حِفاظًا على أعماله من البوار
وحتى لا يكون معنيًّا بقوله تعالى :
( وَ قَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ) .
فلا بدَّ للمؤمن بين يدي كل عمل من :
تصحيح النية ، و تقويم القصد ، و تصفية النفس ،
و ليكن ذكراه في ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
( إنما الأعمال بالنِّيَّات ، و إنما لكل امرئٍ ما نوى )
فالإخلاصُ لله تعالى هو صِمام الأمان في حياة المؤمنين
به تزكو أعمالُهم ، و تضاعف أجورهم ، و ترفع درجاتهم .
نجاكم ربى من عذابه وحسابه ومهالك الدنيا والاخرة
نور محمد