السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[size=29]][ميراث الجنة][
أتدرون ما الجنة ؟ .
إنها التي اشتاق إليها الصالحون وسعى إليها السالكون وعمل لها العاملونوتزود لها المخلصون . قال تعالى : {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِيأُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (72) سورة الزخرف. وقال :{تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا}(63) سورة مريم.
إنها ذات النعيم الخالد والسعادة الدائمة والقطوف الدانية ، إنها سلعة الله الغالية .
فعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:« مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَإِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِالْجَنَّةُ » سنن الترمذي (2638 ) صحيح.
يا سلعةَ الرحمن ِلست رخيصة ً ---- بـل أنتِ غالية ٌعلى الكسلان ِ
يا سلعة الرحمـن ليس ينالُها --- في الألـفِ إلا واحـدٌ لا اثنان ِ
يا سلعة الرحمن أين المشتري --- فلقـد عُرِضتِ بأيسـر الأثمان ِ
يا سلعة الرحمن هل من خاطب ٍ --- فالمهرُ قبل المـوتِ ذو إمكان
يا سلعة الرحمن لـولا أنَّهـا --- حُجِـبَتْ بكلِّ مكـاره ِالإنسان
ِما كان قـطُّ من متخلفٍ --- وتَعَــلتْ دارُ الجـزاءِ الثاني
لكنَّها حُجِـبَتْ بكلِّ كـريهـةٍ --- ليُصـدَّ عنها المبطلُ المتواني
وتنالهـا الهـممُ التي تَسْـمُو --- إلى ربِّ العلا بمشيئةِ الرحمن ِ
فاتْعَـبْ ليوْم ِمعادِك الأدنى --- تَجِدْ راحاتهِ يومَ المعادِ الثاني
[/size]
إنهارجاء المؤمنين وأمل الطائعين وأمان الخائفين وواحة المخبتين . عَنْ زَيْدِبْنِ أَسْلَمَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّمَايُدْخِلُ اللَّهُ الْجَنَّةَ مَنْ يَرْجُوهَا ، وَإِنَّمَا يُجَنِّبُالنَّارَ مَنْ يَخْشَاهَا ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ يَرْحَمُ.مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 232)(35490) صحيح مرسل.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليهوسلم: يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ ،يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُلَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَنَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَىبِأَشَدِّ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُفِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْرَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ :لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأَيْتُشِدَّةً قَطُّ.. صحيح مسلم (7266).
إذا أردتم أن تعرفوا الجنة فاسألوا عنها الصحابي الشهيد جعفر الطيار - رضي الله عنه - الذي قال شوقاً إليها يوم مؤتة :
يا حبذا الجنة واقترابها --- طيبة وباردٌ شرابها
واسألوا عنها الصحابي الجليل ( حَرَامُ بن ملحان ) رضي الله عنه لما طُعن نثر الدم على رأسه وهو يقول : فـــــــــزت ورب الكعبة .
وسيد بني سلمة (عمرو بن الجموح ) رضي الله عنه لما كان يوم أُحد قال صلىالله عليه وسلم :قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض )) .. فذهب عمرو إلىالنبي صلى الله عليه وسلم يتوسل إليه أن يأذن له وقال له: "يا رسول اللهإنّ بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد، ووالله إني لأرجوأن أخطر بعرجتي هذه في الجنة". وأمام إصراره العظيم أذن له النبي عليهالسلام بالخروج، فأخذ سلاحه، وانطلق يخطر في حبور وغبطة، ودعا ربه بصوتضارع:"اللهم ارزقني الشهادة ولا تردّني إلى أهلي"..
وسّلُوا عنها أنس بن النضر رضي الله عنه حينما قال لسعد بن معاذ :" واهاً لريح الجنة أجده دون أُحد ".
تسعى بهم أعمالهم سوقاً إلى الــــ --- ـدارين سَوْقَ الخيل للركبان
صبروا قليلاً فاستراحوا دائماً --- يا عــزة التوفيق للإنسان
باعوا الذي يفنى من الخزف الخســـ --- ـــيس بدائم من خالص العقبان
وتَسَابَقَ الأقوام وابتدروا لها --- كتسابق الفرسان يوم رهان
وأخو الهوينى في الديار مخلَّفٌ --- مع شكله يا خيبة الكسلان
فيا أيها العاقل : لا تبخل على نفسك بالجنة . قالت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز :" البخيل كل البخيل من بخل عن نفسه بالجنة ".
وهذا عامر بن ثابت بن الزبير رفع يديه بعد صلاة الفجر وقال: يا رب أسألكالميتة الحسنة التي أدخل بها الجنة ؟ فقال أبناؤه: ما هي الميتة الحسنة ؟قال : أن يتوفاني ربي وأنا ساجد ، فحضرته سكرات الموت ، فقبضت روحه وهو فيالسجدة الأخيرة في صلاة المغرب !!.
فهل من مشمر لها ، وهل من مشتاق إليها ؟ ؟ .
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليهوسلم ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ : أَلاَ هَلْ مُشَمِّرٍ لِلْجَنَّةِ ،فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا هِيَ ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌيَتَلَأْلَأُ ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ ، وَقَصْرٌ مُشَيَّدٌ ، وَنَهْرٌمُطَّرِدٌ ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُجَمِيلَةٌ ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي حَبْرَةٍوَنَضْرَةٍ فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ ، قَالُوا : نَحْنُالْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : قُولُوا : إِنْ شَاءَاللَّهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ وَحَضَّ عَلَيْهِ . صحيح ابن حبان - (ج16 / ص 389)(7381) حسن.
فالفوز الفوز لمن دخلها والويل الويل لمن زحزح عنها . قال تعالى : {كُلُّنَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَالْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْفَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185) سورةآل عمران.
وقال : {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَامَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاءغَيْرَ مَجْذُوذٍ} (108) سورة هود.
فهل تعرف أيها الحبيب ماذا في الجنة حتى تشتاق إليها وتسعى لدخولها ؟ .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قالالله تعالى أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌرَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ "، واقرأواإن شئتم قوله تعالى:{ فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لهم من قُرَّةِأَعْيُنٍ جَزاءً بما كانوا يَعْمَلون } رواه البخاري ومسلم.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله : في كتابه القيم : " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" :
"وكيف يُقدر قدر دار غرسها الله بيده وجعلها مقراً لأحبابه، وملأها منرحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير،وأودعها جميع الخير بحذافيره، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص. فإن سألت: عنأرضها وتربتها، فهي المسك والزعفران.
وإن سألت: عن سقفها، فهو عرش الرحمن.
وإن سألت: عن ملاطها، فهو المسك الأذفر.
وإن سألت: عن حصبائها، فهو اللؤلؤ والجوهر.
وإن سألت: عن بنائها، فلبنة من فضة ولبنة من ذهب، لا من الحطب والخشب.
وإن سألت: عن أشجارها، فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب.
وإن سألت: عن ثمرها، فأمثال القلال، ألين من الزبد وأحلى من العسل.
وإن سألت: عن ورقها، فأحسن ما يكون من رقائق الحلل.
وإن سألت: عن أنهارها، فأنهارها من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى.
وإن سألت: عن طعامهم، ففاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون.
وإن سألت: عن شرابهم، فالتسنيم والزنجبيل والكافور.
وإن سألت: عن آنيتهم، فآنية الذهب والفضة في صفاء القوارير.
وإن سألت: عن سعت أبوابها، فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام.
وإن سألت: عن تصفيق الرياح لأشجارها، فإنها تستفز بالطرب من يسمعها.
وإن سألت: عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مئة عام لا يقطعها.
وإن سألت: عن خيامها وقبابها، فالخيمة من درة مجوفة طولها ستون ميلاً من تلك الخيام.
وإن سألت: عن علاليها وجواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية، تجري من تحتها الأنهار.
وإن سألت: عن ارتفاعها، فانظر إلى الكواكب ، أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار.
وإن سألت: عن لباس أهلها، فهو الحرير والذهب.
وإن سألت: عن فرشها، فبطائنها من إستبرق مفروشة في أعلى الرتب.
وإن سألت: عن أرائكها، فهي الأسرة عليها البشخانات، وهي الحجال مزررةبأزرار الذهب، فما لها من فروج ولا خلال. وإن سألت: عن أسنانهم، فأبناءثلاثة وثلاثين، على صورة آدم عليه السلام، أبي البشر.
وإن سألت: عن وجوه أهلها وحسنهم، فعلى صورة القمر.
وإن سألت: عن سماعهم، فغناء أزواجهم من الحور العين، وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين، وأعلى منهما سماع خطاب رب العالمين.
وإن سألت: عن مطاياهم التي يتزاورون عليها، فنجائب أنشأها الله مما شاء، تسير بهم حيث شاؤوا من الجنان.
وإن سألت: عن حليهم وشارتهم، فأساور الذهب واللؤلؤ على الرؤوس ملابس التيجان.
وإن سألت: عن غلمانهم، فولدان مخلدون، كأنهم لؤلؤ مكنون.
وإن سألت: عن عرائسهم وأزواجهم، فهن الكواعب الأتراب، اللائي جرى فيأعضائهن ماء الشباب، فللورد والتفاح ما لبسته الخدود، وللؤلؤ المنظوم ماحوته الثغور، وللدقة واللطافة ما دارت عليه الخصور.
تجري الشمس في محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق من بين ثناياها إذاتبسمت، وإذا قابلت حبها فقل ما شئت في تقابل النيرين، وإذا حادثته فما ظنكفي محادثة الحبيبين، وإن ظمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين، يرى وجهه فيصحن خدها، كما يرى في المرآة التي جلاها صيقلها [الصيقل: جلاء السيوف،والمقصود هنا تشبيه وجه الحوراء بالمرآة التي جلاها ولمعها منظفها حتى بدتأنظف وأجلى ما يكون]، ويرى مخ ساقها من وراء اللحم، ولا يستره جلدها ولاعظمها ولا حللها.
لو أطلت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً، ولاستنطقت أفواهالخلائق تهليلا وتكبيراً و تسبيحاً، ولتزخرف لها ما بين الخافقين، ولأغمضتعن غيرها كل عين، ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم، ولآمن كلمن رآها على وجه الأرض بالله الحي القيوم، ونصيفها (الخمار) على رأسها خيرمن الدنيا وما فيها.
ووصاله أشهى إليها من جميع أمانيها، لا تزداد على تطاول الأحقاب إلا حسناًوجمالاً، ولا يزداد على طول المدى إلا محبةً ووصالاً، مبرأة من الحبل(الحمل) والولادة والحيض والنفاس، مطهرة من المخاط والبصاق والبول والغائطوسائر الأدناس.
لا يفنى شبابها ولا تبلى ثيابها، ولا يخلق ثوب جمالها، ولا يمل طيبوصالها، قد قصرت طرفها على زوجها، فلا تطمح لأحد سواه، وقصرت طرفه عليهافهي غاية أمنيته وهواه، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غابعنها حفظته فهو معها في غاية الأماني والأمان. هذا ولم يطمثها قبله أنسولا جان، كلما نظر إليها ملأت قلبه سروراً، وكلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤاًمنظوماً ومنثوراً، وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نوراً.
وإن سألت: عن السن، فأتراب في أعدل سن الشباب.
وإن سألت: عن الحسن، فهل رأيت الشمس والقمر.
وإن سألت: عن الحدق (سواد العيون) فأحسن سواد، في أصفى بياض، في أحسن حور (أي: شدة بياض العين مع قوة سوادها.
وإن سألت: عن القدود، فهل رأيت أحسن الأغصان.
وإن سألت: عن اللون، فكأنه الياقوت والمرجان.
وإن سألت: عن حسن الخلق، فهن الخيرات الحسان، اللاتي جمع لهن بين الحسنوالإحسان، فأعطين جمال الباطن والظاهر، فهن أفراح النفوس وقرة النواظر.
وإن سألت: عن حسن العشرة، ولذة ما هنالك: فهن العروب المتحببات إلى الأزواج، بلطافة التبعل، التي تمتزج بالزوج أي امتزاج.
فما ظنك بامرأة إذا ضحكت بوجه زوجها أضاءة الجنة من ضحكها، وإذا انتقلت منقصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقل في بروج فلكها، وإذا حاضرت زوجها فيا حسنتلك المحاضرة، وإن خاصرته فيا لذت تلك المعانقة والمخاصرة:
وحديثها السحر الحلال لو أنه *** لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملي وإن هي أوجزت *** ود المحدث أنها لم توجز
إنغنت فيا لذت الأبصار والأسماع، وإن آنست وأنفعت فيا حبذا تلك المؤانسةوالإمتاع، وإن قبلت فلا شيء أشهى إليه من ذلك التقبيل، وإن نولت فلا ألذولا أطيب من ذلك التنويل.
هذا، وإن سألت: عن يوم المزيد، وزيارة العزيز الحميد، ورؤية وجهه المنزهعن التمثيل والتشبيه، كما ترى الشمس في الظهيرة والقمر ليلة البدر، كماتواتر النقل فيه عن الصادق المصدوق، وذلك موجود في الصحاح، والسننالمسانيد، ومن رواية جرير، وصهيب، وأنس، وأبي هريرة، وأبي موسى، وأبيسعيد، فاستمع يوم ينادي المنادي: يا أهل الجنة : إن ربكم تبارك وتعالىيستزيركم فحيى على زيارته، فيقولون سمعاً وطاعة، وينهضون إلى الزيارةمبادرين، فإذا بالنجائب قد أعدت لهم، فيستوون على ظهورها مسرعين، حتى إذاانتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداّ، وجمعوا هناك، فلم يغادرالداعي منهم أحداً، أمر الرب سبحانه وتعالى بكرسيه فنصب هناك، ثم نصبت لهممنابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر منفضة، وجلس أدناهم - وحاشاهم أن يكون بينهم دنئ - على كثبان المسك، ما يرونأصحاب الكراسي فوقهم العطايا، حتى إذا استقرت بهم مجالسهم، واطمأنت بهمأماكنهم، نادى المنادي: يا أهل الجنة : سلام عليكم. فلا ترد هذه التحيةبأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلالوالإكرام. فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول: يا أهل الجنة :
فيكون أول ما يسمعون من تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني، فهذا يوم المزيد. فيجتمعون على كلمة واحدة:
أن قد رضينا، فارض عنا، فيقول: يا أهل الجنة :إني لو لم أرض عنكم لمأسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد، فسلوني فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهكننظر إليه. فيكشف الرب جل جلاله الحجب، ويتجلا لهم فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله سبحانه وتعالى قضى ألا يحترقوا لاحترقوا. ولا يبقى في ذلكالمجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة، حتى إنه يقول: يا فلان، أتذكر يومفعلت كذا وكذا، يذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب ألم تغفر لي؟فيقول: بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه. فيا لذت الأسماع بتلك المحاضرة. وياقرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة. ويا ذلةالراجعين بالصفقة الخاسرة.
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَافَاقِرَةٌ ( القيامة:22-25) .
ولله أبصارٌ تـرى اللهَ جهرة ً *** فـلا الضَّيْمُ يَغشاها ولا هي تَسـأَََمُ
فيا نظرة ًأهدت إلى الوجه نضرة ً *** أَمِنْ بعدها يَسْلُو المحبُّ المتَيَّمُ
ولله كَمْ مِن خيرة ٍإنْ تبَسّمتْ *** أضاءَ لهـا نورٌ من الفجر ِأعظمُ
فيا لذةََ الأبصار ِإنْ هي أقْـبَلتْ *** ويا لـذَّةَ الأسماع ِحـينَ تَـكَلَّمُ
وفيالجنة أيها الأحبة لا يوجد إنسان إلا ويكون جميلَ الصورة فقد جاء عن أبيهريرة رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَعَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْعَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً لا يَبُولُونَوَلا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَتْفُلُونَ وَلايَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ وَرَشَحُهُمْ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمْ الأَلُوَّةُ (وهو عُودُ الطِّيبِ) أَزْوَاجُهُمْ الْحُورُ الْعِينُعَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدم سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ " رواه البخاري ومسلم.
وأقل مؤمن في الجنة، نسأل الله تعالى أن يدخلنا إياها بلا عذاب، يكون لهمثل هذه الدنيا وعشرة أمثالها فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال رسولالله صلّى الله عليه وسلّم" إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِخُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الجنّة رَجُلٌيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ حَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجلَّ له: اذْهَبْفَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأىفَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى فَيَقُولُ اللَّهُ عزوجلَّ له: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُإِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَامَلأى فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجلَّ له :اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَفَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْإِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُأَتَسْخَرُ بي أَوْ تَضْحَكُ بي وَأَنْتَالْمَلِكُ، قال: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُفكَانَ يَقُولُ: " ذَلكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً" وقد جاءأيضا عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه و أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولالله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا دَخلَ أهلُ الجَنةِ الجَنةَيُنَادِي مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلا تَمُوتُواأَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلا تَسْقَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلا تَهْرَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلا تَبْأَسُوا أَبَدًا " رواه مسلم.
يتبع